تُواصل أسعار النفط تراجعها عن أعلى المستويات المُسجلة على مدى عدة أعوام في أعقاب ما صدر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية من توقعات بشأن الإنتاج الأمريكي خلال العامين الجاري والمقبل، والتي تنبأت بإمكانية ارتفاعها إلى مستوى قياسي عند 12.6 مليون برميل يومياً في عام 2023. ومن ناحية أخرى، تُسهم التطورات الإيجابية التي تشهدها المباحثات النووية مع إيران في كبح جماح الارتفاع الأخير في أسعار النفط. ومع ذلك، يُحافظ خام برنت على مستواه فوق حاجز الـ 90 دولار للبرميل الواحد في الوقت الراهن، بينما يجري تداول الخام الأمريكي ما دون تلك العتبة النفسية المهمة للغاية.
وما تزال مؤشرات النفط تجد نفسها في بيئة داعمة تتميز بطلب عالمي قوي وتراجع في المخزونات ومعوقات متواصلة في جانب الإمداد، بينما تُضاف أقساط التأمين ضد المخاطر الجيوسياسية إلى العوامل المُحركة للمنحى التصاعدي لهذه السلعة الأساسية. وكانت الأرقام الصادرة عن معهد البترول الأمريكي يوم الثلاثاء قد أشارت إلى دور الانخفاض المفاجئ بأكثر من مليوني برميل الأسبوع الماضي في الحد من التراجع الأخير في الأسعار.
ومن جانبها، تتوقع الأسواق زيادة إجمالية بواقع 1.5 مليون برميل في إصدارات مخزون الخام الأمريكي، علماً أنّ الأرقام غير الرسمية تُشير إلى احتمالية زيادة بواقع 238 ألف برميل فقط. ومع ذلك، تُرجح التوقعات أن تُبدي أسعار النفط قدراً أكبر من الحساسية حيال الأرقام الخاصة بمخزونات النفط الخام في مركز كوشينغ الأميركي، والتي تراجعت للأسبوع الرابع على التوالي. وبالمُجمل، لا بد أن تُعزز البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية من فكرة تضيق السوق، الأمر الذي يُسفر عندها عن عودة النفط إلى أعلى مستوياته على مدى عدة أعوام التي شهدناها في الآونة الأخيرة.
أرقام مؤشر الأسعار الاستهلاكية الأمريكي الأعلى من المتوقع قد تؤدي إلى المزيد من التقلبات في السوق
كان الارتفاع في أسعار النفط بمثابة مُحرك رئيسي للضغوطات التضخمية، والتي أجبرت بدورها البنوك المركزية على اعتماد موقف أكثر تشدداً من حيث السياسة النقدية. وكان بنك إنجلترا قد بدأ بالفعل بسياسة الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة، بينما أبدى كُلٌّ من البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفدرالي تأييدهما لتدابير كبح جماح التضخم مؤخراً بهدف إحكام السيطرة على السيولة ورفع أسعار الفائدة.
وتُشير التوقعات إلى أنّ الإصدار المرتقب يوم الخميس لأرقام مؤشر الأسعار الاستهلاكية الأمريكية لشهر يناير سيكون أبرز أحداث السوق لهذا الأسبوع. ومن المتوقع أن يبلغ معدل التضخم الرئيسي نسبة 7.3% على أساس سنوي، بينما يُرجح أن تُسجل النسخة الأساسية، التي تستثني تكاليف الأغذية والطاقة، نسبة 5.9%. وفي حال تأكيدهما، فإنّ كلا الرقمين يُشكلان أعلى القراءات المُسجّلة منذ عام 1982، ما يُبرز ضخامة التحدي الذي يتعيّن على مسؤولي البنوك مواجهته.
ومن ناحية أخرى، يُحاول كُلٌّ من المستثمرين والمتداولين الاعتياد على احتمالية تكثيف مساعي تشديد السياسات خلال العام الجاري، الأمر الذي يُسفر عن التقلبات الكبيرة التي تشهدها مختلف فئات الأصول خلال هذه الفترة. وستبقى الأسواق عرضة للتغيّرات الممكنة في آفاق السياسة النقدية الأمريكية لغاية حصولها على مؤشرات ملموسة بشأن خطط الاحتياطي الفدرالي لتقليص ميزانيته ورفع أسعار الفائدة. وبرغم ما قد تُقدمه المفاجآت الإيجابية فيما تبقى من الإيرادات المؤسسية الأمريكية من ارتياح على المدى العاجل، فما تزال أسواق الأسهم عرضة للمزيد من الاضطرابات التي قد تتسبب بها عمليات التصفية الكبرى المقبلة في سندات الخزينة الأمريكية، علماً أنّ أسهم شركات التكنولوجيا وأسهم النمو تُواجه القدر الأكبر من المخاطر.