تراجع قيمة الأسهم للجلسة الثالثة على التوالي
شهد الزخم الذي سجّلته أسواق الأسهم قدراً من الهدوء بعد 54 ارتفاعاً قياسياً حققها مؤشر ستاندرد آند بورز500 على مدى عام 2021. وكانت عوامل مثل تباطؤ التعافي الاقتصادي وارتفاع حالات الإصابة بكوفيد-19 وزيادة احتمالية تشديد البنوك المركزية لسياساتها النقدية قد ألقت بظلالها السلبية على أداء السوق الذي لطالما اتسم بتوقعاته المتفائلة حيال الأرباح المستقبلية.
ويُشكل هذا الاضطراب الذي يسود أسواق الأسهم خلال الأسبوع الجاري مؤشراً على توجه المستثمرين نحو إعادة النظر في بعض المخاطر المعروفة بالنسبة لهم. كما سيجد المستثمرون، ممّن يعتمدون على البنوك المركزية، لا سيما الاحتياطي الفدرالي، أنفسهم مُضطرين لإعادة التفكير بمواقفهم بما يتناسب مع الأحاديث الدائرة حول التخفيف من سياسة التيسير الكمي.
وكانت الوظائف أبرز أولويات الاحتياطي الفدرالي؛ إذ كانت إضافة 235 ألف وظيفة جديدة دون التوقعات السلبية أصلاً لشهر أغسطس. إلا أننا أدركنا يوم أمس بأنّ الوظائف الشاغرة في الولايات المتحدة قد ارتفعت إلى رقم قياسي جديد عند 10.9 مليون وظيفة في شهر يوليو، بحسب استبيان فرص العمل ودوران العمالة (JOLTS). والجدير بالذكر أنّ عدد الشواغر الوظيفية المتوفرة حالياً يتجاوز عدد الأشخاص القادرين على شغلها، علماً أنّ عمليات شراء الأصول والنقاش حول تخفيف سياسة التيسير الكمي في أوساط الاحتياطي الفدرالي لن تطرح أيّ حلّ لهذه المشكلة.
وفي السياق ذاته، قد تُشكّل عوامل مثل المخاوف المتعلقة بالفيروس والتباين بين المهارات والمتطلبات الوظيفية وإعانات البطالة المعززة سبباً لظهور هذه الفجوة الهائلة بين مستويات العرض والطلب على اليد العاملة. وتجدر الإشارة إلى أنّه قد توقف صرف إعانات البطالة لملايين الأمريكيين، ولذا فنحن أمام فرصة كبيرة لسماع مفاجأة إيجابية في تقرير الوظائف المقبل لشهر أكتوبر.
وكان العديد من مسؤولي الاحتياطي الفدرالي كشفوا مؤخراً بأنّ التوقعات الحالية تدعم فكرة الإعلان عن تخفيف سياسة التيسير الكمي خلال العام الجاري، بمن فيهم روبرت كابلان، رئيس الاحتياطي الفدرالي في دالاس، وجون ويليامز، رئيس الاحتياطي الفدرالي في نيويورك. ومن جانبهم، يرى مناصرو ضبط مستويات التضخم بأنّ فكرة الإعلان عن تخفيف سياسة التيسير الكمي في سبتمبر ما زالت مطروحة خلال اجتماع واضعي السياسات يومي 21-22 سبتمبر الجاري.
ومن وجهة نظري، فلا أرى ما يدعو للقلق في بدء عملية تخفيف السياسة، وإنّما في مُنحنى انتشار الفيروس وأثره على النمو الاقتصادي. ومن شأن أي تباطؤ جديد في النشاط الاقتصادي أن يُسفر عن تراجع المكاسب المؤسسية، بالتزامن مع استمرار الزيادة في الهوامش الربحية في أسعار المُدخلات. كما يُعد الانخفاض في نسبة التقدم / الانخفاض الخاصة بمؤشر ستاندرد آند بورز500 على مدى الأسابيع القليلة الماضية بأنّ مجموعة صغيرة من الأسهم تقود المؤشر نحو الارتفاع فيما يُشكّل علامة تحذيرية أخرى.
ويخفى على الجميع موعد حدوث أي تصحيح يتراوح بين 10-20%، علماً أنّ سياسة النأي بالنفس عن مُجريات السوق أثبتت كونها استراتيجية غير ناجحة في هذا الصدد. ومع ذلك، لا بد أن يكون المستثمرون أكثر حذراً من الآن فصاعداً، من خلال الحد من المخاطر في محفظاتهم أو التحوط من احتمالية انخفاض الأسعار.
تتجه أنظار المستثمرين والمتداولين اليوم نحو اجتماع البنك المركزي الأوروبي. بينما يرى الخبراء الاقتصاديون بأنّ البنك المركزي الأوروبي سيحد من الدعم النقدي الذي قدّمه خلال الارتفاع الأخير في معدلات التضخم، مع الحفاظ على قدر كبير من ممارساته التيسرية. ومن ناحيتها، تتوقع الأسواق إقرار خفض بواقع 10-20 مليار يورو في برنامج مشتريات الطوارئ لأزمة كوفيد-19 من مبلغ 80 مليار يورو المقرر شهرياً في الوقت الحالي. غير أنّه من المُرجّح أن يبقى برنامج شراء الأصول التقليدي المفتوح دون أيّ تغيير عند مستوى 20 مليار يورو شهرياً. وختاماً، ستكون التوقعات الاقتصادية الأخيرة للبنك المركزي الأوروبي والتعديلات في السياسات ونبرة كريستين لاغارد رئيسة البنك من أهم العوامل المُحركة لليورو في الوقت الراهن.