تراجعت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية والأوروبية وعائدات سندات الخزينة بشكل حاد في الساعات الأولى لبدء جلسات التداول الآسيوية، بينما ارتفعت قيمة الدولار وأسعار السلع الأساسية بشكل ملموس مع اتجاه المستثمرين للملاذات الآمنة لتأمين محفظاتهم في أعقاب التطورات الأخيرة التي شهدتها الأزمة الأوكرانية.
ومن جانبها، انخفضت قيمة الروبل الروسي بحوالي 30% ليجري تداوله عند مستوى قياسي جديد عند 106 روبل مقابل الدولار الأمريكي، وذلك على خلفية حجب الدول الغربية لقائمة من البنوك الروسية عن التعامل بنظام سويفت العالمي للمدفوعات. وقد أسفرت المخاوف من اضطراب إمدادات النفط عن ارتفاع أسعار خام برنت بواقع 5% مع زيادة العقود الآجلة للغاز في أوروبا بأكثر من 60٪. ومن شأن قرار حجب روسيا عن استخدام نظام المدفوعات العالمي أن يوقف إمدادات الغاز إلى أوروبا ويُفضي عن تداعيات اقتصادية وخيمة على القارة والعالم بأكمله على حد سواء.
وما زال المستثمرون يُحاولون قراءة ما سيحدث لاحقاً والتصرف وفقاً له. وشهدت الأسواق زيادة في نشاط مُشتري الأسهم المنخفضة يومي الخميس والجمعة، بعد يوم واحد فقط من بدء الهجوم العسكري واسع النطاق، غير أنّهم بدؤوا بالبحث عن ملاذ لهم الآن بعد أن أدركوا بأن الحرب لن تكون مُجرد حدث عابر خلال يوم واحد مع صعوبة توقع نتائجها.
ولا يبدو بأنّ أحداً لديه فكرة عمّا ستؤول إليه الأحداث في نهاية المطاف، علماً أنّ العالم لم يشهد مواجهة عسكرية على هذا المستوى منذ الحرب العالمية الثانية. ولا تقتصر مخاوف المستثمرين على الآثار المباشرة للأزمة، مثل الأثر قصير الأجل على أسعار السلع الأساسية، بل تمتد لتشمل التداعيات طويلة الأمد، والتي تتسم بأهمية أكبر بالنسبة إليهم.
وكان واضعو السياسات النقدية والمالية في جميع أنحاء العالم الغربي قد استخدموا كُلّ ما في جعبتهم من أدوات أثناء مواجهة أزمة كوفيد-19. بينما يجدون أنفسهم اليوم أمام أزمة جديدة مع تضخم العجز المالي وأسعار فائدة قريبة من الصفر. وبالتالي، ستكون أيّ استجابة من جانب الحكومات لدعم الاقتصاد أو الأسواق المالية محدودة النطاق، حيث سيجد المستثمرون أنفسهم وحيدين في مواجهة أيّ اضطرابات.
وكان الاحتياطي الفدرالي وبنك إنجلترا وغيرها من البنوك المركزية الرئيسية حول العالم قد تأخرت فعلاً عن مواكبة الأحداث مع وصول التضخم إلى أعلى مستوياته منذ عقود. وبدورها، ستُضيف الأزمة الجيوسياسية الراهنة المزيد من الضغوط التصاعدية على الأسعار، وستجد البنوك المركزية نفسها مُضطرة لتشديد السياسات، في خطوة ستُخيب آمال أولئك الذين يعتمدون على تدخل واضعي السياسات في حال حدوث أيّ انهيار في السوق.
قد لا يكون الاقتصاد العالمي في طريقه للانكماش، غير أنّ احتمالات حدوث هذا الانكماش ارتفعت للغاية على مدى الأيام القليلة الماضية. وستكون طبيعة مسار النزاع الحالي عاملاً رئيسياً بالنسبة للمستثمرين، لا سيما وأنّه سيُشجع مشتري الأسهم المنخضة على التحرك أو سيؤدي على المزيد من عمليات التصفية الحادة.
يجب أن تكون المخصصات النقدية عالية في ظلّ الظروف الراهنة، فحتى الشركات ذات الوضع المالي القوي ستكون عرضة بشكل كبير لاتجاهات السوق الإجمالية. وهُنا تبرز ضرورة اعتماد منهجية وقائية مع استمرار الزيادة في التقلب، علماً أنّ هذا التقلب يطرح العديد من فرص الاستثمار طويل الأجل والتي تبرز فيها الحاجة إلى السيولة النقدية.