شهدت أسواق الأسهم العالمية عاماً مزدهراً آخراً مع انتهاء 2021، حيث حقق المستثمرون نمواً من خانتين في رأس المال المُستثمر مدعوماً بحزم التحفيز المتواصلة والسياسات النقدية الميسرة وازدياد معدل المدخرات خلال الأزمة الصحية، فضلاً عن الانتعاش الاقتصادي البارز وعائدات الشركات القوية.
وارتفع مؤشر إم إس سي آي للأسواق العالمية بنسبة 20.1% مع نهاية العام الماضي، مقارنةً بنسبة 14.1% في نهاية عام 2020، ليسجل بذلك ثالث أفضل أداء له خلال الأعوام العشرة الماضية. ولعبت الأسهم الأمريكية الدور الأكبر في هذا الأداء البارز، حيث ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 26.9% مدفوعاً بأسهم قطاعات الطاقة والتطوير العقاري، إلى جانب أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة مثل ألفابيت وأبل ومايكروسوفت.
وكان مؤشر هانغ سنغ الاستثناء الوحيد، حيث شهد انخفاضاً بنسبة 14.1% في عام 2021 بسبب الإجراءات الصينية التنظيمية الصارمة في قطاعي التعليم والتكنولوجيا، والتي دفعت المستثمرين للبحث عن أسواق جديدة. وتشير التوقعات إلى احتمالية استقطاب هذين القطاعين للمستثمرين من جديد بسبب انخفاض مستويات تقييمهما حالياً مقارنةً بالأسواق الأخرى.
ويشير عام 2022 إلى الأمل بالعودة إلى الوضع الطبيعي مع انتهاء أزمة كوفيد-19 ومعالجة تداعياتها على مختلف جوانب حياة الأفراد. وما زالت البنوك الاستثمارية متفائلةً فيما يتعلق بعائدات الأسهم، إلا أنها تتوقع لها نمواً خفيفاً أو متوسطاً على الأكثر. وتتمثل المخاطر الرئيسية لهذه النظرة التفاؤلية في حداثة عهدها، واحتمالية ازدياد التضخم المالي واعتماد سياسات نقدية أكثر صرامةً، وانتشار المتحور الجديد لفيروس كورونا، وفرض الحكومة الصينية لإجراءات صارمة جديدة.
وتسجل الأسواق مزيداً من حالات الإصابة بكوفيد-19، إلا أن المتحور الجديد، أوميكرون، لا يشكل خطراً على حياة المصابين رغم إمكانية انتشاره الكبيرة. وهذا يدفع للتفاؤل بانتهاء الأزمة الصحية قريباً في حال استمر انخفاض خطورة المتحورات القادمة، إلا أنه من الممكن أن تتزعزع مستويات الثقة في حال ظهور متحورات خطيرة أدت إلى تجدد اضطرابات سلسلة التوريد وارتفاع تكاليف السلع. ويجب على المستثمرين مراقبة حالة الأسواق عن كثب للتأكد من تأثيرات الأزمة الصحية عليها خلال الأشهر القادمة.
وتُعد السياسات النقدية الصارمة، والتي تعتبر أساس الإجراءات المتشددة، من التحديات الأخرى التي يمكن أن تواجه المستثمرين؛ حيث ترتبط بشكل رئيسي مع التضخم المالي في الأسواق. ويتوقع واضعو السياسات في الاحتياطي الفدرالي ارتفاع أسعار الفائدة ثلاثة أضعاف خلال 2022 مع انتهاء برنامج شراء السندات في مارس المقبل. وستبقى معدلات الفائدة رغم رفعها دون 1% خلال 2022؛ وهو ما يُعد نسبةً منخفضةً مقارنةً بالقيم المتوسطة للأعوام السابقة، لولا أنه جاء في وقت تحملت فيه الاقتصادات عبء ديون كبيرة وتم إدراج العديد من الرافعات المالية في الأنظمة الاقتصادية.
كما يمكن أن يكون الركود الاقتصادي قريباً جداً، حيث وصل الفارق بين سندات الخزينة الأمريكية التي تستحق بعد عشرة أعوام وتلك التي تستحق بعد عامين إلى أقل من 80 نقطة أساس متقلصاً بما يزيد عن 50% منذ مارس الماضي. كما يمكن أن تشهد الأسواق انعكاساً في منحنى عائدات الأسهم، مما قد يسبب حالة من الذعر الذي يدفع المستثمرين لبيع أسهمهم في حال عدم انخفاض مستويات التضخم أو عند تسريع الاحتياطي الفدرالي لدورة تشديد السياسات التي يعتزم تطبيقها. ويجب على المستثمرين مراقبة توجهات التضخم عن قرب خلال الأشهر القادمة.
ويجب أن تعوض أرباح الشركات ومستويات إنفاق المستهلكين الركود الحاصل في أسواق الأسهم ضمن هذه البيئات المتقلبة بهدف الاستمرار في تحقيق مزيد من النمو. كما تشير التوقعات إلى ارتفاع مستويات التقلب خلال العام الجاري، مع وصول بعض الأصول إلى مستويات مبالغ بها نظراً للإجراءات السابقة والمخاطر المتعددة المحتملة في الأسواق.