ما زالت الأسواق تترقب بحذر مع استمرار الانخفاض في مستوى الإقبال على المخاطر، لا سيما وأنّ العقوبات التي أعلنتها كُلٌّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا ضد روسيا لم ترقَ إلى مستوى أسوأ المخاوف التي توقعتها الأسواق. وارتفعت معظم الأسهم الآسيوية إلى جانب العقود الآجلة للأسهم الأوروبية والأمريكية، بالتزامن مع محاولات المضاربين على ارتفاع أسعار الأسهم لسحب مؤشر ستاندرد آند بورز500 إلى خارج نطاق التصحيح الفني من جديد. وفي الوقت ذاته، سجّلت الملاذات الآمنة أداءً معتدلاً مع عودة عقود الذهب الفورية إلى ما دون 1900 دولار للأونصة، ومواصلة ارتفاع عائدات سندات الخزينة وتراجع الدولار مقابل غالبية نظرائه من العملات العشرة العالمية الرئيسية.
وبدت الجولة الأولى من العقوبات التي فرضها الحلفاء الغربيون كوسيلة لإزعاج روسيا بشكل محدود خلال المرحلة الراهنة على أقلّ تقدير، أكثر من كونها أداة لتوجيه رسالة صارمة بشأن التطورات الجيوسياسية. وتتسم بعض العقوبات المفروضة على البنوك الروسية بطابعها الرمزي إلى حدّ كبير، إذ أن آثارها على المعاملات المالية مع بقية العالم محدودة للغاية. وبرغم ما أظهره الحلفاء الغربيون من عزم لتوسيع نطاق الرد الاقتصادي، تُشير الإعلانات الصادرة يوم الثلاثاء بأنّه ما تزال أمام روسيا مساحة أكبر للتحرك في الفترة الحالية، علماً أنّ التدابير التي اتخذها الاتحاد الأوروبي ما زالت بحاجة للاعتماد من قبل الدول الأعضاء، بينما يتواصل الجدل بين المُشرّعين الأمريكيين بشأن اعتماد حزمة عقوبات تحظى بدعم الحزبين.
ومع ذلك، برزت التداعيات المحتملة للأزمة الأوكرانية بشكل أكثر وضوحاً في سوق السلع الأساسية. فقد ارتفعت العقود الآجلة للغاز الطبيعي في أوروبا بواقع 10% بعد تعليق ألمانيا لمشروع السيل الشمالي 2. بينما ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت يوم الثلاثاء بشكل كبير نحو حاجز 100 دولار للبرميل، بينما تم تداول الألمنيوم قرب أعلى مستوياته على الإطلاق، مع تسجيل العقود الآجلة للقمح في شيكاغو لأعلى ارتفاع لها خلال يوم واحد منذ عام 2018. وستؤدي أيّ عقوبات اقتصادية جديدة تُسهم في شُح السلع الأساسية في تعزيز الضغوط التضخمية العالمية، مما قد يُسفر عن مزيد من التراجع في الإقبال على المخاطر.
وعززت الأزمة الأوكرانية من المخاوف المؤثرة على المضاربين في السوق، وخصوصاً المؤشرات المتعلقة باستمرار ارتفاع التضخم ومخاطر إقرار سياسات خاطئة من قبل الاحتياطي الفدرالي. وتُشير التوقعات إلى أنّ الأسواق المالية العالمية ستبقى حسّاسة تجاه جميع التطورات والتقلبات التي تشهدها هذه المواجهة بين روسيا والغرب، مع ترقب المستثمرين والمتداولين للكمّ الهائل من الإعلانات التي ستصدر خلال الفترة المقبلة.